فصل: بَابُ الْمُكَاتَبِ إذَا دَبَّرَهُ مَوْلَاهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْمُكَاتَبِ إذَا دَبَّرَهُ مَوْلَاهُ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ دَبَّرَ مُكَاتَبًا لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْكِتَابَةَ وَكَانَ مُدَبَّرًا لَهُ وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا عَاجِلٌ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ آجِلٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَلَهُ أَنْ يَمِيلَ إلَى أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ، وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَخْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُكَاتَبُ بِالتَّدْبِيرِ حَتَّى أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ كُلَّهَا فَقَدْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَالْمَالُ سَالِمٌ لِلْمَوْلَى وَلَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ قَدْ بَطَلَ بِعِتْقِهِ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ ثُمَّ عَلِمَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَإِذَا اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى حَلَالٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ.
(قَالَ) وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ أَدَائِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي حَيَاتِهِ وَأَخَذَ الْوَرَثَةُ بِحِصَّةِ الْآخَرِ أَيِّهِمَا شَاءُوا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الثَّانِيَ أَصِيلٌ فِي حِصَّتِهِ وَالْمُدَبَّرُ كَانَ كَفِيلًا مُطَالَبًا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ تِلْكَ الْمُطَالَبَةُ بِعِتْقِهِ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُدَبَّرُ رَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ عِتْقِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ مُنْتَفِعٌ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِذَلِكَ وَالْآنَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ إنَّمَا أَدَّاهَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ الْمَحْضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ ثُلُثٍ وَسَعَى فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَمُكَاتَبَتُهُمَا أَلْفٌ بَطَلَ حِصَّةُ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَاعْتَبَرَ قِيمَتَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى هُوَ الْأَقَلُّ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ وَخَمْسُمِائَةٍ حِصَّةُ الْآخَرِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَذَلِكَ ثَمَانُمِائَةٍ ثُلُثُهُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يُسَلَّمُ لِلْمُدَبَّرِ مِنْ قِيمَتِهِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمُدَبَّرُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ بِهِ وَلَا يُؤْخَذُ الْمُكَاتَبُ بِمَا عَلَى الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ مِنْ قَبْلِ التَّدْبِيرِ وَالْمُكَاتَبُ لَمْ يَكُنْ كَفِيلًا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمُكَاتَبَتُهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الْمُدَبَّرُ أَنْ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَنْفَعُهُ عَسَى يَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُنَجَّمًا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ يَسْقُطُ ثُلُثُ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ عَتَقَ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةُ كَانَتْ لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا يَسْقُطُ ثُلُثُ الْمُكَاتَبَةِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَا الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ أَيَّهمَا شَاءُوا، فَإِنْ أَدَّى الْمُدَبَّرُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ذَلِكَ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ رَجَعَ عَلَى الْمُدَبَّرِ بِرُبْعِ ذَلِكَ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا بَقِيَ مِنْ حِصَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَاخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَسْعَى فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَسِعَايَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُنَافِي الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَالْمُدَبِّرُ غَيْرُ مُفْسِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ عَجَزَ فَاَلَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ تَدْبِيرِهِ فِي الْإِفْسَادِ قَدْ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَجْزِ فَكَانَ حُكْمُ هَذَا كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتَيْنِ إذَا مَلَكْتُكُمَا فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَى إحْدَاهُمَا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأُخْرَى فَقَدْ صَارَتَا مُدَبَّرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِلْكُهُمَا فَإِنَّمَا تَمَّ عِنْدَ شِرَاءِ الثَّانِيَةِ وَوَلَدُ الْأُولَى رَقِيقٌ يُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّدْبِيرِ فِيهَا فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَصِلُ إلَى الْمَحِلِّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ.
(قَالَ) وَإِذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ ذِمِّيٌّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ عِنْدَهُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ الْمَوْلَى عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُحَاكَمَةٍ فَهَذَا وَاسْتِسْعَاءُ الْقَاضِي سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِسْعَاءِ قَائِمٌ بَعْدَ عَجْزِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَالِ الصُّلْحِ فَضْلٌ عَلَى قِيمَتِهِ يُبْطِلُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْفَضْلَ عَنْهُ إذَا عَجَزَ وَيُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا دَبَّرَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامُ الْإِسْلَامِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ خَرَجَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ دَبَّرَهُ بَعْدَ مَا خَرَجَا بِأَمَانٍ فَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمَا فِي دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنْ أَسْلَمَ هَذَا الْمُدَبَّرُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْمَنِ مُحْتَرَمٌ بِالْأَمَانِ وَبَيْعُهُ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ مُتَعَذِّرٌ، فَإِنْ لَحِقَ الْمَوْلَى بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ يَسْعَى ثُمَّ قُتِلَ الْمَوْلَى أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ أَوْ أُسِرَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ، أَمَّا إذَا قُتِلَ الْمَوْلَى فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ، وَإِنْ أُسِرَ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَنْهُ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَيْسَ يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَالْمَمْلُوكُ مَتَى زَالَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لَا إلَى أَحَدٍ كَانَ حُرًّا، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ لَمْ يَبْقَ لِمِلْكِهِ حُرْمَةٌ وَالسِّعَايَةُ كَانَتْ لِحُرْمَةِ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ.
(قَالَ) وَلَوْ كَانَ خَرَجَ بِأُمِّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحِيحٌ تَبَعًا لِلنَّسَبِ، فَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى، فَإِنْ أَدَّتْ السِّعَايَةَ عَتَقَتْ، وَإِنْ عَجَزَتْ رُدَّتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ فِيهَا قَدْ ارْتَفَعَ بِإِسْلَامِهِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ وَبَاعَهَا مِنْ نَفْسِهَا بِمَالٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جَازَ وَكَانَتْ حُرَّةً بِالْقَبُولِ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ فَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْقَبُولِ فَمَوْتُ الْمَوْلَى وَحَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(قَالَ) وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ وَالْعَبْدُ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَرَجَعَ إلَى دَارِنَا وَوُجِدَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ فَأُخِذَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ التَّدْبِيرُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ بِالدَّارِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حَقِّهِ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَأَصْلُ مِلْكِهِ بَاقٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُمْ حِينَ عَادَ مُسْلِمًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِهِ لِلْوَرَثَةِ وَبَاعُوهُ فَبَيْعُهُمْ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ يَوْمَئِذٍ فَمَتَى حَصَلَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ كَانَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ اسْتَوْلَدَ فِي رِدَّتِهِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُرْتَدِّ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ أَظْهَرُ مِنْ مِلْكِ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ فَإِذَا كَانَ يَصِحُّ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَمِنْ الْمُرْتَدِّ لَأَنْ يَصِحَّ أَوْلَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى التَّدْبِيرُ مِنْهُ صَحِيحٌ كَالِاسْتِيلَادِ فَإِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي مِنْ ثُلُثِهِ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ الَّذِي دَبَّرَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ.
وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي السِّيَرِ.
(قَالَ) وَإِذَا دَبَّرَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ اشْتَرَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَسْلَمَ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِالتَّدْبِيرِ فَلَا يَبْطُلُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ كَمَا لَا تَبْطُلُ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ، وَالْمُدَبَّرُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلتَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَلَا الْمُسْلِمُونَ لِلْوَلَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ وَلِهَذَا رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الْأَمَةِ الْحَامِلِ إذَا بِيعَتْ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ بَاعَ أَمَةً وَسَلَّمَهَا أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَنَقُولُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ وَلَكِنَّا نَقُولُ تَيَقُّنًا إنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَبِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ كَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ دُونَهُ فِي احْتِمَالِ النَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ وَالضَّعِيفُ لَا يُبْطِلُ الْقَوِيَّ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ سَوَاءٌ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ عَنْهُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الِاسْتِلْحَاقِ وَالضَّعِيفُ لَا يَبْقَى بِطَرَيَانِ الْقَوِيِّ، وَإِذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هُوَ ابْنُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ فَيَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ دَعْوَةُ الْبَائِعِ أَسْبَقُ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الدَّعْوَى، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرِ وَالْآخَرُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالدَّعْوَةُ دَعْوَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فِي مِلْكِهِ فَيَتْبَعُ الشَّكُّ الْيَقِينَ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدَّعْوَةِ لَمْ تُرَدَّ رَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهَا لِقِيَامِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِنَقْضِ الْبَيْعِ فِيهَا وَلِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَا الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَيَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ بَعْدَ مَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ عِتْقِهَا وَحَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ بَاقٍ فَلِهَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مَقْصُودًا بِالِاسْتِرْدَادِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ يَرُدُّهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ ثُبُوتُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي الْأُمِّ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ فَلَا يَبْقَى الضَّعِيفُ بَعْدَ طَرَيَان الْقَوِيِّ، وَلَا تَصِيرُ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَبَعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ فَكَذَلِكَ فِي التَّبَعِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْتِقْهُ وَلَكِنَّهُ مَاتَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا كَانَ لِلْوَلَدِ وَلَدٌ حَيٌّ لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ أَيْضًا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ النَّسَبُ كَانَ ثَابِتًا اسْتَتَرَ بِاللِّعَانِ فَيَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَقَاءِ وَلَدٍ يَخْلُفُهُ حَتَّى يَظْهَرَ بِدَعْوَتِهِ وَهُنَا النَّسَبُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ابْتِدَاءَ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَتِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِي الدَّعْوَى.
(قَالَ)، وَإِذَا بَاعَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ حَتَّى بَاعَهَا الْمُشْتَرِي وَتَنَاسَخَهَا رِجَالٌ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَادَّعُوهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَتُفْسَخُ الْبُيُوعُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْبُيُوعَ فِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ كَبَيْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ وَلَدًا وُلِدَ عِنْدَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ وَالْوِلَادَةِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَحَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّعْوَى لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ فَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَظُنُّ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهُ فَيَتَدَارَكُ ذَلِكَ بِالدَّعْوَةِ.
(قَالَ) وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ صَبِيٌّ لَا يَنْطِقُ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقِيَاسِ لِلتَّنَاقُضِ وَصَدَقَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِالنَّسَبِ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ وَهُوَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَلَوْ كَانَ لَقِيطًا فِي يَدِهِ فَادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَهُوَ مُعَبِّرٌ عَنْ نَفْسِهِ فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ دَعْوَةِ نَسَبِهِ عَلَى تَصْدِيقِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَلَا قَوْلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَةِ نَسَبِهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ.
(قَالَ) وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي الصَّغِيرِ كَمَا اُسْتُحْسِنَ فِي الْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَنِصْفِ عُقْرِ أُمِّهِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ بِالْعِتْقِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيَبْطُلُ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فِي الْقِيَاسِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ بَيْنَهُمَا لَمَّا ثَبَتَ نِصْفُ الْوَلَاءِ لِشَرِيكِهِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي الدَّعْوَةِ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَبَيْنَ الْوَلَاءِ لَلشَّرِيك وَفِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ لِلصَّغِيرِ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ هُنَا وَوَلَاءُ الْوَلَدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ نِصْفُ وَلَاءِ الْوَلَدِ لَلشَّرِيك وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَمَعْنَى هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْوَلَاءَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِلْأَبِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَّا عِنْدَ جِنَايَةِ الْوَلَدِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْأُمُّ فَنَصِيبُ الْأَبِ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهَا مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ فَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ اقْتَصَرَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ دَبَّرَاهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْعَبْدِ يَدٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالدَّعْوَةِ اسْتِحْسَانًا كَمَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُمَا بِالتَّدْبِيرِ اسْتَحَقَّا وَلَاءَهُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ.
(قَالَ) وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا مَعَ الْأُمِّ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ، وَاَلَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ عَبْدٌ لَهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّوْأَمُ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهُ مَعَ الْأُمِّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَالتَّوْأَمُ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ لِأَحَدِهِمَا ثُبُوتُهُ لِلْآخَرِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَا يَعْتِقُ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ بُطْلَانُ عِتْقِ الْأُمِّ إذْ الِاسْتِيلَادُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَسَبِ الْوَلَدِ فَلِهَذَا رَدَّ الْبَائِعُ حِصَّةَ الِابْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ، وَلِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَا عِتْقَهُ فِي الْوَلَدِ إنَّمَا نَنْقُضُهُ لِإِثْبَاتِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ وَلَوْ نَقَضْنَا عِتْقَهُ فِي الْأُمِّ نَنْقُضُهُ لِمَا هُوَ أَضْعَفُ وَهُوَ حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تُوطَأَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
(قَالَ) وَإِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا فَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا فَارَاد أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَبَلَ مِنْ عَبْدٍ كَانَ لَهُ قَدْ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَإِذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِهَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَبَدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَهُ إنْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ الْوَلَدِ لِلْعَبْدِ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْعَبْدِ، وَإِذَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ صَارَ كَالْمَعْدُومِ مِنْ الْأَصْلِ وَشَبَّهَا هَذَا بِالْوَلَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ ثُمَّ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَاءَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ بِتَكْذِيبِ الْبَائِعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إقْرَارُهُ تَضَمَّنَ حُكْمَيْنِ: انْتِفَاءُ النَّسَبِ عَنْهُ، وَثُبُوتُهُ مِنْ الْعَبْدِ، فَبِإِنْكَارِ الْعَبْدِ يَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِالْحُكْمِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ انْتِفَاؤُهُ مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يُقْطَعُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلَاعِنِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ دَعْوَةِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ حُكْمٌ بِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَبَعُدَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبْطَلْنَا بِاللِّعَانِ حُكْمَ إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ الْمُلَاعِنِ يَبْقَى مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَلَيْسَ النَّسَبُ كَالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْبُيُوعِ.
(قَالَ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا فَهُوَ وَلَدُهُمَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ أَصْلُهُ كَانَ فِي مِلْكِهِمَا فَاسْتَوَيَا فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ، وَإِذَا جَازَ إبْطَالُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِهَا بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ فَفِي نِصْفِهَا أَوْلَى، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَعًا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَحَقَّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَقِيَامُ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ كَقِيَامِ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِهَا فِي ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَسْبَقَ وَثَبَتَ بِهَا حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ كَانَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَاطِلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.